الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع التوتر والرهاب الاجتماعي المستمر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.
تحية طيبة لكم جميعًا، وأخص بالذكر الدكتور الطيب محمد عبد العليم.

لا أدري -دكتور- هل تذكر مشكلتي التي مضى عليها أكثر من أربع سنوات؟ سأذكّرك بها سريعًا: كنت أشرح للموظفين الذين يعملون تحت إدارتي عن أهمية السلامة، وكان ذلك جزءًا من روتيني اليومي في العمل.

فجأة، في أحد الأيام، دخل علي المدير العام وعدد من المسؤولين، وطلبوا مني أن أواصل شرحي، فانتابني رعاش، وتعرق، وتسارع في ضربات القلب، فلم أستطع الاستمرار في الشرح.

بعدها، أصبت بـ"الرهاب الاجتماعي" الذي عذب حياتي وسودّها لأكثر من ثلاث سنوات حتى وصلت إليك، فنصحتني باستخدام دواء "سيروكسات"، وأنا أستعمله منذ حوالي ثلاث سنوات أو أكثر.

حاولت مرارًا التوقف عنه، لكن حالتي كانت تعود، وكنت أزيد في وزني، ومع ذلك تحسنت حالتي النفسية، إلا أن العقدة النفسية لا تزال في قلبي كختم لا يزول.

ومنذ فترة ليست قصيرة وأنا أعاني من عصبية زائدة، خاصة في المنزل، وأشعر باكتئاب قوي يذهب ويعود، ولا أشعر بالسعادة في أي عمل أقوم به، لا أحب التنزه أو الرحلات، ولكن أميل كثيرًا إلى الأعمال التي تتطلب جهدًا عضليًا أكثر منها ذهنيًا.

أنا أستخدم دواء "سيروكسات" بجرعة 40 ملغ تقريبًا كل يومين، ولكن ليس بانتظام؛ فأحيانًا أتركه لمدة أسبوعين أو ثلاثة ثم أعود لتناوله.

ما هو الحل الأمثل لحالتي؟ وهل هذا الرهاب والتوتر والعصبية سيستمران؟ علمًا أن ذلك أثر على حياتي الزوجية وأدى إلى مشاكل كثيرة، منها القولون العصبي واضطرابات في نبضات القلب، وغيرها، وعلمًا أنني التزمت بكل النصائح التي أمرتني بها مثل العبادة والمشاركة في المجتمع، إلا أن حالتي لم تتحسن كليًا.

المهم أرجو الرد على رسالتي ووصف الدواء المناسب، وشكرًا جزيلًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد تذكرت حالتك، وجزاك الله خيرًا على شرحك للحالة مرة أخرى، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

هناك بعض الناس لديهم نواة القلق كجزء أساسي في شخصياتهم، ويُعرف أن هذا الاستعداد الغريزي قد يصحبه أعراض من الخوف وعدم الارتياح والشعور بالكدر لفترات طويلة، بمعنى آخر: العوامل المرسّبة والمهيئة تكون موجودة ومتضافرة؛ وهذا ما يجعل الأعراض تستمر.

لا أعتبر حالتك خطيرة أو معقدة، وأتفق معك أنها ربما تكون مزعجة بعض الشيء، لكن معروف أن حالات القلق من هذا النوع تتحسَّن.

ومن الضروري أن تستمر بالعلاج السلوكي الذي يقوم على تقليل الخوف، والمواجهة، مع منع الاستجابة السلبية، والفهم التام بأن الحالة هي قلق فقط، وليس أكثر من ذلك.

ومن المهم بناء صورة إيجابية عن نفسك، فأنت –الحمد لله– لديك الكثير الذي يمكن أن تتأمل فيه إيجابيًا، ولا تترك مجالًا للأفكار السلبية المشوّهة لتسيطر عليك.

العصبية يمكن معالجتها بالاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والتفريغ النفسي بالتعبير عن الذات، وتذكّر دائمًا أن غضب الآخرين تجاهك غير مقبول، فكيف تقبل أن تغضب عليهم؟ هذا منطق بسيط، وإذا تذكره الإنسان فسيتحكم في انفعالاته السلبية.

وأنت ذكرت أنك تحب الجهد العضلي، فاجعله أكثر انتظامًا بممارسة الرياضة بانتظام، فالرياضة تمتص العصبية والأفكار والنزعات النفسية السلبية وتستبدلها –إن شاء الله– بنزعات إيجابية، وهذا كله مهمٌّ جدًّا ويساعدك كثيرًا.

وجود أعراض القولون العصبي دليل واضح على وجود القلق النفسي، وكذلك اضطرابات نبضات القلب التي تعاني منها؛ لذلك يجب أن تمارس تمارين الاسترخاء يوميًا، ويفضل أن تتعلمها مع أخصائي نفسي، أو عبر مواقع الإنترنت -خاصة اليوتيوب- التي تشرح كيفية ممارسة هذه التمارين، فهي مفيدة جدًّا.

بالنسبة للعلاج الدوائي، الدواء الذي تتناوله جيد ومهم، وربما حان الوقت للانتقال من دواء (سيروكسات، Seroxat) إلى دواء آخر، هذا لا يعني أن السيروكسات دواء سيئ، بل هو دواء ممتاز، لكن قد يشعر البعض بالملل من الدواء فيفقد فعاليته.

وأنت –وأرجو أن تسامحني– أخطأت في تناول الدواء بعدم انتظامك في تناوله، فالسيروكسات لا يبقى في الدم أكثر من 24 ساعة، وتركيبته الكيميائية تحتاج إلى انتظام في الجرعات، وبعض الناس يعانون من أعراض انسحاب صعبة إذا توقفوا عن تناول الدواء ليومين أو ثلاثة، مثل القلق والدوخة، وهذا يؤثر سلبًا على المستقبلات العصبية ويقلل استجابتها لتنظيم إفراز الموصل العصبي (neurotransmitter)، لذلك الالتزام والانتظام ضروريان.

للانتقال من السيروكسات إلى دواء (زولفت، Zoloft) وهو الـ (سيرترالين، Sertraline)، عليك أن تبدأ بتناول حبة واحدة (50 ملغ) من الزولفت، وتتوقف عن تناول حبة واحدة من السيروكسات، مع الاستمرار في تناول 20 ملغ من السيروكسات.

تستمر على هذا الترتيب لمدة أسبوعين، ثم تتوقف تمامًا عن السيروكسات، وتزيد جرعة الزولفت إلى 100 ملغ يوميًا. يمكن تناولها كجرعة واحدة ليلاً، أو حبة صباحًا وحبة مساءً.

أنصحك بالاستمرار على هذه الجرعة لمدة عام، ثم تخفيض الجرعة إلى حبة واحدة يوميًا، ويمكن الاستمرار عليها لعام آخر.

إذا أردت الاستمرار على السيروكسات فلا مانع، لكن يجب أن تكون منتظمًا في تناوله، وإن أردت الانتقال إلى الزولفت، فقد يكون ذلك أفضل حسب الدراسات الحديثة.

بجانب هذه الأدوية الأساسية أريدك أن تتناول دواءً يعرف تجاريًا باسم (فلوناكسول، Flunaxol)، ويعرف علميًا باسم (فلوبنتكسول، Flupenthixol)، بجرعة نصف مليجرام (حبة واحدة) في الصباح لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله، وأنا على ثقة كاملة أنك -بإذن الله تعالى- باتباعك لهذه الإرشادات وتناول الأدوية بالصورة التي ذكرناها لك ستكون على خير.

ولا تتأسف أبدًا على استمرارك على العلاج، فمهما طالت المدة؛ فإن هذه الأدوية سليمة، والإنسان مثلما يكبر في جسده يكبر أيضًا في نفسه وفي وجدانه، وإن شاء الله تسير الأمور بصورة أفضل كثيرًا.

أذكرك مرة أخرى بأن تتخلص من الفكر السلبي المشوه، وابنِ صورة إيجابية عن نفسك، وأود أن أشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً